المواد الأولية واستخراجها
تتألف المواد الأولية التي يصنع منها الإسمنت البرتلندي من خامات تحوي مادة الكلس أساساً كالحجر الكلسي والمَرْل والحُوَّار والصَدف ورماد الحطب والخبث، وكلها غنية بأكسيد الكلسيوم مع أكاسيد أخرى ضرورية كأكاسيد السيليسيوم والألمنيوم والحديد وغيرها. ويجب أن تكون الخلطة الأولية قبل عملية الشي مشتملة على 90-95% من الأكاسيد الأساسية التالية بنسب محددة فيما بينها: أكسيد الكلسيوم أو الكلس الحي وثاني أكسيد السيليسيوم أو السيليس SiO2 وأكسيد الألمنيوم أو الألمين Al2O3 وأكسيد الحديد Fe2O3، ويضاف إليها نسبة ضئيلة من أكاسيد ثانوية مثل أكسيد المغنزيوم MgO وأكسيد الصوديوم Na2O وأكسيد البوتاسيوم K2O وأكسيد التيتانيوم TiO2 وأكسيد الفسفور P2O5.
|
مخطط صنع الإسمنت بالطريقة الجافة والطريقة الرطبة |
ويتم الحصول على هذه الخلطة من مقالع خاصة غنية بالمركبات الأساسية وفي مقدمتها الحجر الكلسي والغضار. ويتألف الحجر الكلسي أساساً من كربونات الكلسيوم CaCO3، ويجب أن تكون نسبتها فيه بين 75 و100% وذلك بحسب نوعية الحجر الكلسي، وأما الغضار فيحوي السيليس والألومين وأكسيد الحديد بنسب متفاوتة بحسب الغضار المتوافر، ويمكن استخدام البازلت، وهو صخرٌ بركاني، عوضاً عن الغضار لاحتوائه على المركبات المطلوبة. وإن تركيز هذه المركبات في الخلطة بنسب محددة تماماً شرط أساسي للحصول على الإسمنت المرغوب فيه. وهنا يأتي دور المركبات الثانوية، فهي إما أن تكون مواد مصححة أو مضافة. والمواد المصححة ضرورية لتعديل نسب المركبات الرئيسة وتصحيحها في حال وجود نقص أو لإعطاء الإسمنت صفة معينة، فيضاف الرمل لتعديل نقص السيليس، ويضاف الحديد أو خبث الحديد لتعديل نقص أكسيد الحديد، ويضاف البوكسيت bauxite لتعديل نقص الألومين وغير ذلك. أما المواد المضافة فتتألف من مواد عضوية أو غير عضوية تضاف إلى الخلطة لتحسين ظروف شيها وتخفيف نسب المواد الفائضة فيها وتقليل استهلاك الطاقة، ويأتي في مقدمة هذه المواد الكلوريدات والفلوريدات والفسفات والكبريتات وغيرها.
|
الشكل (3) أنواع الكسارات الأساسية في صناعة الإسمنت |
التكسير والطحن والمجانسة: يشترط قبل شيّ الخلطة في الأفران أن تكون جيدة الخلط وعلى هيئة ذرور ناعم، ويتم الخلط في الطريق بين المقالع التي تأتي منها المواد الأولية وأفران الحرق. إذ يتم استخراج الخامات بالتفجير والحفر بوساطة الحفارات والجرافات، ثم تنقل على سيور ناقلة أو في عربات كهربائية أو قطارات خاصة إلى أماكن التكسير والطحن، فتلتقمها كسارات ضخمة تصمم وفقاً للخواص الفيزيائية والميكانيكية لتلك المواد، وهي إما أن تكون ذات مطارق أو ذات فكين أحدهما ثابت والآخر متحرك، أو أسطوانية أو مخروطية فيها كرات وكتل حديدية تسحق ما بداخلها (الشكل 3).
ففي الطريقة الجافة تطحن المواد الهشة من دون تكسير أو تهشيم أولي، وقد يتطلب بعض المواد القاسية كالبازلت والمرمر وبعض أنواع الصخور الكلسية تهشيماً مبدئياً قبل إدخالها المطحنة. ويتم في أثناء الطحن خلط الخامات خلطاً جيداً ونهائياً. وقد يبدأ الخلط من المقلع ويستمر مع مرور المواد الخام في الكسارات فالمطاحن.
|
الشكل (4) نظام طحن المواد الأولية في صناعة الإسمنت:
1- المواد الجاهزة، 2- الناقل الدلوي، 3- الفارزة،
4- المواد الراجعة، 5- المطحنة. |
وفي الطريقة الرطبة وما يماثلها تجرش المواد الخام بوجود الماء الذي يخفف من قساوتها ويقلل من الاستهلاك النوعي لطاقة الطحن، وتستمر إضافة الماء حتى تصبح الخلطة ثِمْطاً (طيناً رقيقاً) شبيهاً باللبن الرائب. ويتم الطحن في مطاحن أسطوانية ذات كرات فولاذية شديدة الصلابة مختلفة الأقطار، أو في مطاحن رحوية. وقد غدت المطاحن الرحوية هي المفضلة في صناعة الإسمنت الحديثة لأنها توفر الحصول على خلائط شديدة النعومة عالية التجانس ولاسيما عند اتباع الطريقة الجافة. ويتزامن الطحن مع التجفيف في الطرائق الرطبة ومثيلاتها، ويكون ذلك بترقيد الخلطة المائعة في رواقيد ضخام، أو بتمريرها في مرشحات على شكل «طنابير» drums دوارة مغطاة بالخيش، أو بتبخير الماء في مبادلات حرارية بتمرير تيار من الهواء الساخن، حتى يتم الحصول في خاتمة المطاف على خلطة أولية متجانسة ذات حجم حبيبي يتطابق والمواصفات المطلوبة، ولا تزيد نسبة الرطوبة فيها عند المخرج على 1%، ثم تمرر الخلطة بعدها على منخل دقيق الثقوب (4900 ثقب/ سم2) وفارزة تفرز الذرور الجاهز إلى صوامع المجانسة والتخزين، وتعيد المواد الخشنة إلى المطحنة ( لا تزيد نسبة هذه المواد على 10-18% من الخلطة) (الشكل 4).
وتؤخذ من الذرور الجاهز عينات ساعية لمراقبة جودته وتعديل مواصفاته بإضافات جديدة في صوامع المزج والمجانسة من أجل الحصول على الخلطة المناسبة لعملية الشي. وعندما تصبح الخلطة جاهزة تفرغ في صوامع تخزين تغذي الأفران الدوارة بالذرور الخام. وقد يلجأ بعض مصانع الإسمنت إلى تجفيف الخلطة وشيها في الفرن في آن واحد اقتصاداً في الوقت والنفقة.
الشيّ: إن تحويل المواد الأولية الخام إلى «كلِنْكَر» clinker. وهي المرحلة الأساسية في صناعة الإسمنت، يتم في فرن دوار أو فرن شاقولي مهما كانت الطريقة المتبعة (جافة أو رطبة)، وفي درجات حرارة تراوح بين 1000 و1450 درجة مئوية. وتعتمد هذه العملية على عوامل مختلفة أهمها التركيب الكيمياوي للمواد الأولية وخواصها الفيزيائية والميكانيكية وحرارة الأفران عند الشي ونوعية الوقود المستعمل وطريقة التبريد والطحن النهائي.
| |
الشكل (5 ـ أ) فرن شاقولي يعمل بالطريقة الجافة في أربعة طوابق (مبادلات حرارية وزبعية) مع التسخين المسبق، نموذج همبولدت: الارتفاع الكلي 60م، طول الفرن 60م، الإنتاج اليومي 1500طن. |
الشكل (5 ـ ب) فرن شاقولي يعمل بالطريقة نصف الجافة، نموذج فرن مستقيم: قطره 2.5م، ارتفاعه 10م، إنتاجه اليومي 200طن |
تحتل أفران الشي المكانة الرئيسة في مصانع الإسمنت وكانت في بدايات هذه الصناعة أفراناً شاقولية مطورة عن أتونات حرق الكلس القديمة، ومازالت أنواع من الأفران الشاقولية شائعة الاستعمال في أوربة لمردودها الاقتصادي، وقد أدخلت عليها تحسينات كثيرة ساعدت على بقائها لتزاحم الفرن الدوار إلى اليوم، إلا أن معظم المصانع الحديثة تستعمل الأفران الدوارة في خطوط إنتاجها لقدرتها على زيادة طاقة الإنتاج وتحسين نوعيته. والفرن الدوار هو أسطوانة من الصفيح السميك مكسوة من الداخل بكساء مقاوم للحرارة، وتكون مائلة ميلاً خفيفاً على الأفق (4.3 سم لكل متر واحد) ضماناً لتقدم الكلنكر في داخلها نحو نهاية التفريغ، وتدور الأسطوانة حول محورها الطولي دورة كاملة في كل دقيقة أو دقيقة ونصف. ويراوح طول الفرن الدوار بين 90 و 150م، وقد يصل طول بعض الأفران إلى 185م، أما القطر فيراوح بين 3.5 و5م، ويكتسب الفرن حرارته في العادة من نفث لهب ذرور الفحم المشتعل في الهواء، أو من نفث المازوت أو الغاز المشتعل، ويخضع الخليط في نزوله على طول الفرن إلى تفاعلات عدة وبمستويات حرارة مختلفة (الشكل5).
|
الشكل (5 ـ جـ) فرن دوار أفقي يعمل بالطريقة الرطبة، قطر ه 4م، طوله 150م، إنتاجه اليومي 1000طن |
وتتم في مرحلة الشي عمليات إرجاع كيمياوية ومبادلات حرارية يخضع فيها الكلنكر لتبدلات عدة قبل أن يبلغ صيغته النهائية. وأهم هذه التبدلات تبخر الماء الحر في الدرجة 100-